15 Jul
15Jul

الوقائع المغربية

لم يتمكن المغرب من كسر رتابة تموقعه المتأخر في مؤشر الرعاية الصحية العالمي لسنة 2025، الصادر حديثًا عن موقع “Numbeo” المتخصص في تحليل البيانات والاستطلاعات الدولية. فقد حافظ على مركزه المتدني ضمن التصنيفين العالمي والإفريقي، ما يعكس استمرار التحديات البنيوية التي يواجهها النظام الصحي المغربي رغم المبادرات الإصلاحية المعلنة.ووفقاً للتصنيف نصف السنوي، حلّ المغرب في المرتبة 94 من أصل 99 دولة شملها التقرير، محققًا 47 نقطة في تقييم جودة الخدمات الطبية، و80.6 نقطة في ما يخص هيكلية نظام الرعاية الصحية. هذا الترتيب وضعه في ذيل قائمة الدول الإفريقية، خلف كل من جنوب إفريقيا (المرتبة 49 عالمياً)، ثم كينيا، تونس، غانا، الجزائر، نيجيريا، ومصر. واللافت أن التصنيف شمل فقط ثماني دول إفريقية، ما يجعل تموضع المغرب مؤشراً مقلقاً في السياق القاري.

منهجية المؤشر

يرتكز المؤشر على استطلاعات رأي المستخدمين عبر الموقع خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ويأخذ بعين الاعتبار مجموعة من المؤشرات الفرعية، من أبرزها:
  • كفاءة الطواقم الطبية
  • سرعة الإجراءات والفحوصات
  • دقة التشخيص والتقارير
  • توفر المعدات والتجهيزات الطبية
  • جودة المعاملة الإنسانية
  • فترات الانتظار
  • تكلفة العلاج ومدى رضا المرضى

أداء المغرب حسب الفئات

حسب بيانات التقرير، سجّل المغرب أدنى نسبة رضا في فئة الانتظار داخل المؤسسات الصحية بـ 33.88% فقط، ما يعكس معاناة مزمنة في تسيير المواعيد الطبية وسرعة الاستجابة. أما فيما يخص باقي المؤشرات، فجاء أداؤه كالتالي:
  • كفاءة الطواقم: 49.4%
  • سرعة الإجراءات: 45.37%
  • توفر المعدات: 50.62%
  • دقة التقارير الطبية: 47.8%
  • جودة المعاملة: 46.89%
  • الرضا عن تكلفة العلاج: 46.09%
  • راحة المرضى: 56.75%

الترتيب حسب المدن المغربية

على مستوى المدن، لم يكن الوضع أفضل، إذ احتلت الرباط المرتبة 303 عالميًا، تلتها الدار البيضاء في المرتبة 310، من بين 314 مدينة عالمية شملها التصنيف، ما يبرز ضعف الخدمات حتى في أكبر الحواضر المغربية.

مقارنة عربية وعالمية 

في السياق الإقليمي، جاءت قطر في مقدمة دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بحلولها في المرتبة 18 عالميًا، متبوعة بكل من الإمارات، سلطنة عمان، الأردن، لبنان، السعودية والكويت (67 عالميًا). أما العراق فقد حلّ مباشرة بعد المغرب في المرتبة 95، ليكون بذلك البلدان العربيان في مؤخرة التصنيف.عالميًا، تصدرت تايوان القائمة من حيث جودة الرعاية الصحية، تلتها كوريا الجنوبية، هولندا، اليابان والنمسا، ثم دول أخرى ضمن المراتب العشر الأولى مثل الدنمارك، الإكوادور، فنلندا، إسبانيا وتايلاند. في حين جاءت سوريا وفنزويلا في أسفل الترتيب العالمي. 



لا تقف تداعيات هذا الترتيب عند حدود الأرقام والمؤشرات، بل تمتد إلى كلفة اجتماعية واقتصادية باهظة. إذ يؤدي ضعف النظام الصحي إلى تدهور جودة الحياة، وارتفاع نفقات العلاج الخاص، وهجرة الأطباء، وزيادة الضغط على الفئات الهشة. كما تُجبر الكثير من الأسر على اللجوء إلى القطاع الخاص أو السفر للعلاج خارج البلاد، ما يفاقم الفوارق الطبقية ويزيد من العبء المالي على الأفراد والدولة.من جهة أخرى، فإن استمرار المغرب في هذا الترتيب المتأخر يقوض الثقة في المؤسسات الصحية العمومية، ويُفقد السياسات العمومية مصداقيتها، خاصة في ظل الوعود المتكررة بإصلاح شامل للقطاع. كما أن ضعف الخدمات يؤثر سلباً على مؤشرات التنمية البشرية والاستثمار في الرأسمال البشري، ما يجعل القطاع الصحي عاملاً معطلاً للتنمية بدل أن يكون رافعة لها.


دعوة عاجلة لإصلاح عميق
 في ضوء هذه النتائج، يبدو واضحاً أن المغرب في حاجة إلى تحول جذري في رؤيته الصحية، يتجاوز منطق الترميم المؤقت إلى بناء منظومة شاملة قادرة على تلبية الحاجيات الفعلية للمواطنين، وخاصة الفئات المعوزة. إصلاح المنظومة الصحية لم يعد خيارًا تقنيًا فقط، بل رهان وطني يمس الكرامة والعدالة الاجتماعية والاستقرار المستقبلي للبلاد.
تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.